مع مرور الأيام تغدو المدن الكبيرة على شبه بالأشخاص المشرفين على إدارة شئونها. على صعيد آخر، يمكن، عموماً، القول بأن الحكومات تشابه المناحي التي تخضع لسيطرتها. وبالنسبة لطهران والمسئولين عن إدارتها تشكل إحدى هاتين الحقيقتين أحد أركان الموقف غير المنطقي الذي تتسم به طهران : فطهران، على وجه الإجمال، مدينة يسكنها أناس قرويون

وقبل قرن من الزمن بالضبط، شرع البرلمان، المؤسس حديثاً، قانوناً ينظم إدارة طهران؛ وتأسيساً على هذا القانون صارت طهران تدار بشكل رسمي من قبل رئيس بلدية خاص بها. وخلال هذا القرن من الزمن أُكِلَت إدارة العاصمة إلى ثمانية وأربعين رئيس بلدية، ونُفذ بأحدهم حكم الإعدام، ودخل ثلاثة عشر منهم السجن وأُقيل ثلاثة وعشرون منهم من مناصبهم. ونُسبت إلى هؤلاء جميعاً جريمة تقاضي الرشوة وعدم الكفاءة المهنية.

وفي المائة سنة المنصرمة كانت هذه المدينة المضطربة مَرْجِلاً لثورتين عارمتين ومسرحاً لمحاولتين استهدفتا قلب نظام الحكم ومنطلقاً لنفي أربعة من الملوك واثنين من رؤساء الجمهورية إلى خارج البلاد؛ كما كانت هذه المدينة، في الحقبة ذاتها، شاهداً على اغتيال شاه وعدة رؤساء للوزارات وأحد رؤساء الجمهورية؛ أضف إلى هذا وذاك أن المدينة كان قد جرى احتلالها لمرة واحدة من قبل الجنود الأجانب ولمرات عديدة من قبل الجنود المحليين في سياق المائة عام المنصرمة.

بيد أن الأمر الذي يثير الاستغراب هو أن هذه المدينة قد أمست منذ بضعة عقود من الزمن تنمو بنحو انفجاري وأخذت تمد ذراعيها ليس لالتهام كافة القرى المحيطة بها فقط، بل ولتزدرد، أيضاً، مدينتين مجاورتين لها، اسم الأولى منهن راي واسم الثانية شميران. وفي الآونة الأخيرة طفقت طهران تفتح ذراعيها لاحتواء مدن تبعد عنها أكثر من مائة كيلومتر. ومَنْ يدري، ففي وقت ليس بالبعيد، قد لا يبقى من دولة إيران سوى طهران وبادية مترامية الأطراف فقط؛ فهذه المدينة صارت عفريتاً لا تُروى له غُلَّةً، صارت عفريتاً نهماً يُجرد باقي البلاد من قوى العمل ورؤوس الأموال، ويستحوذ لنفسه منها على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وعلى ما شابه ذلك من أمور أخرى لا تعد ولا تحصى...

Copyright: Goethe-Institut,

Fikrun wa Fann