طهران مدينة بلا سماء (Novel)
Description
في رواية"طهران مدينة بلا سماء"، التي ترجمها سليم عبد الأمير حمدان وأصدرتها دار المدى دمشق - 2008، تتبدى بوضوح سيطرة هاجس الرقيب على قلم الكاتب الذي عاش تجربة مريرة مع الرقابة في بلاده. فروايته الأولى بقيت سجينة 16 عاماً على يد تطلق السلطات سراحها، بل وصل الأمر إلى حد محاولة تصفيته جسدياً من قبل دوائر الأمن على خلفية نشاطه في إعادة تأسيس"مركز كتّاب إيران". وهذه الرواية ذاتها، لم توافق الرقابة على طباعتها إلا بعد أن حذفت الكثير من الفقرات، وحين قرر حمدان ترجمتها طلب من الكاتب نص المخطوط الأصلي، قبل إعمال مقص الرقيب الكريم فيه، واعتمده في ترجمة النسخة العربية.
By Alhayat
Reviews
يصف الأديب أمير حسن جهل تن في روايته الجديدة "طهران مدينة بلا سماء" مسار حياة شخصٍ هامشيٍ يأتي ليعيش في مأوى في العاصمة الإيرانية بعد وفاة والديه وانسلاخه عن جذوره ليصبح مسؤول قسم التعذيب في أحد السجون في نهاية المطاف. فولكر كامينسكي في قراءة للرواية.
كرامت بطل رواية أمير حسن جهل تن في الجزء الأخير من ثلاثية طهران شخصية ملتبسة، ولكن بالرغم من ذلك لا يسعى الكاتب لإدانة الجانب المظلم والعنيف في طهران أخلاقيًا، إنما يستخدمه أكثر للكشف عن التناقضات القائمة في الحاضرة الإيرانية. التناقضات التي وسمت المدينة ذات التاريخ الحافل بالثورات والمليء بالانكسارات في القرن العشرين.
كرامت شخصية روائية لا يمكن نسيانها بسرعة، فهو رجلٌ ضخمٌ له شاربان كثان يميل للعنف المفرط بسبب أصوله وما تعرض لاضطهاد من قبل. لأنه ليس متعلمًا أبدًا ولا يملك أية موهبةٍ ذهنيةٍ فهو مضطرٌ للاعتماد على أصدقاءٍ من عالم طهران السفلي. أناسٌ يحملون ألقابًا مهيبة: شابون "بلا مخ"، وعزيز "الباشق"، وحسن "المغزل"، كلهم رجال يعملون في السوق السوداء، ولهم يكن كرامت الولاء الشديد بعدما تحمل إجراءات العذاب والتعذيب التي لا مندوحة عنها لمن يريد الانضمام إلى العصابة، وقد دمغه زعيم العصابة خلالها بدمغة حديد ساخنة أتبعها بانتهاكه.
سجين عالم طهران السفلي
وبالرغم من أنَّ محيط كرامت مرتبط أشد الارتباط بالعالم السفلي إلا أنَّ الكاتب لا ينهك القارئ بوصف هذا العالم العنيف، ويكتفي باطلاع القارئ على ماضي كرامت المضن قبل سرد أحداث الرواية. مدخل الرواية يشمل سيرة ذاتية تعتمد التسلسل الزمني ووقائع حياة كرامت وقد جاءت على النحو التالي:
1929: ولِدَ في قرية نائية، 1941: هرب من المنزل ووصل إلى طهران بعد عناء حيث استغله مساعد ضابط انجليزي جنسيًا، وهكذا دوليك. وبجانب التواريخ السياسية المهمة هناك عام 1953: المشاركة النشطة في الانقلاب على الحكومة الذي أعدته وكالة الاستخبارات الأمريكية لصالح الشاه... 1978/1979: الثورة الإسلامية على الشاه ومشاركة كرامت النشطة بها... 1980: بداية الحرب العراقية الإيرانية. بهذا يتعرف القارئ من خلال هذا العرض البسيط جدًا على مفاصل الرواية حيث يرتبط مصير كرامت بنقاط التحول في التاريخ الإيراني الحديث.
الولع بالتفاصيل
لا ينتـُج عن تداخل السيرة الشخصية بتاريخ البلاد الرسمي رواية سياسية بالمعنى الضيق للكلمة. بالرغم من أنَّ أمير حسن جهل تن يرى أنَّ في كلِّ روايةٍ يوجد بعدٌ سياسيٌ، لكنَّ التركيز يكون بالدرجة الأولى على المراقبة عن كثب وبالإمساك بالتفاصيل، كما أكد بنفسه مؤخرًا أثناء أمسية أدبية في مهرجان برلين العالمي للأدب.
طهران الحاضرة النابضة، الشوارع الحيوية، وأضواء الإعلانات في الليل، وقوة دور السينما الجاذبة، والتي يتردد عليها كرامت ليشاهد أفلام الحب المبتذلة، كلها أشياء تصبح مادة للرواية مثلها مثل المعايشات الجنسية الكثيرة التي يخوضها كرامت وعلاقاته العديدة مع المومسات اللاتي تدفعه فحولته للتردد عليهن بشكلٍ شبه يومي.
لا يجعل أمير حسن جهل تن بطلَ الرواية الصلف كرامت حامل أفكار القصة وحسب، إنما يُظهره إنسانًا من لحمٍ ودمٍ يتأرجح بين تصرفاته الذكورية السلطوية وتردده المتنامي في مجتمع طهران.
هكذا وفي بداية الرواية يقف كرامت أمامنا رجلاً في الستين من عمره ورب أسرةٍ لديه منزلاً وأولادًا ودخلاً ماليًا جيدًا، ولكنْ بالرغم من ذلك يشعر بالانعزال والإحباط، كما تلاحقه الكوابيس التي تتراءى له فيها ضحاياه، وبالتالي يصبح شبه عاجزٍ عن تحمُل يوم عملٍ "عاديٍ" في السجن. أما شغفه الكبير فهو بالمقام الأول بالمومس تالا رفيعة المستوى، وهي حبه الحقيقي الوحيد في الحياة، وقد هجرته ثم عادت واتصلت به هاتفيًا بعد غيابٍ دام عشر سنوات.
لقد زرع الكاتب في الشخصية الأساسية الملتبسة المتناقضة مجموعة كبيرة ومتنوعة من الميول والسمات بحيث يصبح الحكم على كرامت بشكلٍ عادلٍ صعبًا، فمن ناحيةٍ نجده شخصًا بدائيًا وخادمًا فاسدًا للسلطة يجيد انتهاز الفرص السانحة ويغير انتماءه السياسي إنْ تطلب الأمر ليكون مع القوي، ومن ناحيةٍ أخرى يرى نفسه ممثلاً عن الشعب، كما تدفعه قيمه المحافظة للعطف على الضعفاء والدفاع عنهم. يؤكد أمير حسن جهل تن على أنَّ هذه الشخصية "الشريدة" هي بمثابة "روبين هود" معاصر يرى في نفسه فارسًا شهمًا حتى وإنْ كان عليه أنْ يعترف بأنه غارقٌ في الذنب الذي سيظل يلاحقه طيلة حياته.
جرح لا يلتئم
يقول أمير حسن جهل تن إنه أراد في المقام الأول أن يكتب تاريخ طبائع الحاضرة الإيرانية الكبيرة التي يأخذ فيها "جرح طهران المفتوح" مكانة المركز، مضيفًا: كرامت يمثل بشكلٍ نمطي طبقة اجتماعية معينة تنعكس جانب هذه المدينة المظلم والعنيف.
ويقول أيضًا: لطالما لعبت الحاضرة الكبيرة دورًا في تاريخ البلاد الحافل بالتحولات، فهي بوتقة كل النقاط المفصلية التي شكلت منطلقًا لرسم وتحديد مصائر البلاد سيما بعد موجات انتقال كبيرة [من الريف إلى المدينة]، وأيضًا من خلال أناسٍ من طراز كرامت الذين يتمسكون في حالة العجز التي يعانون بصور فيلمٍ قديم عن عالمٍ مثاليٍ مزعوم، عالمٌ لا تظهر النساء فيه إلا بوصفها كائنات دونية أو كمومسات. إذن أناسٌ يتماهون مع هذا العالم المثالي إلى حدِّ كبير إلى أنْ يستحيل واقعًا حزينًا ذات يوم بعد أنْ ينهار النظام بفعل الثورة.
هذه الغايات المتعددة لدى الكاتب لم تؤدي إلى اعتماده نبرةً سرديةً متشنجةً، وذلك بفضل لغته الشعرية الواثقة الواضحة التي تعطي التنقل بين المستويات المختلفة حقها، وتجد الأسلوب المناسب للشرائح المختلفة أي للمومسات وشخوص العالم السفلي، ولكن أيضًا لطبقات المجتمع الراقي الذي لا يشعر كرامت بالراحة في كنفها، وللناجحين في أعمالهم وللأكاديميين.
مجرم محترف مرهف الإحساس
أنْ يُضفى على سمات مجرمٍ محترفٍ سمة رهافة الإحساس أمرٌ يحتاج إلى ملَكةٍ أدبيةٍ كبيرة، نجدها مثلاً في جملٍ كهذه: "كان يحب الصيف. وكان الصيف يعني له رائحة النساء الحيوانية، رائحة عرق الأجساد، رائحة أفواه مرة الطعم وشفاه نصف مفتوحة، ورائحة قطرات عرق تنساب على رقاب مرمرية اللون".
لا بدَّ أيضًا من تقدير جهد المترجم الألماني كورت شارف الذي ضمن نهاية الكتاب ملخصًا لافتًا عن الأسس التي اعتمدها والذي يقول فيها إنَّ رواية أمير حسن جهل تن لم تنشر حتى الآن سوى باللغتين الفارسية والعربية والنسختين ناقصتين بسبب مقص الرقابة. وقد استغنى المترجم بحسب قوله عن استخدام اللهجة العامية كما هي حال الرواية الأصل واستعمل عند الحاجة لغةً بسيطةً وتعابير من الحياة اليومية. والنتيجة كانت مشكالاً أدبيًا مقروءًا كُتب بأسلوبٍ سلسٍ وآسرٍ عن إحدى أكثر العواصم إثارة في العالم.
فولكر كامينسكي
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
رواية أمير حسن جهل تن "طهران مدينة بلا سماء"، ترجمها إلى العربية سليم عبد الأمير حمدان، ونشرتها دار المدى في دمشق، 2008. وترجمها إلى الألمانية كورت شارف، صدرت عن دار س.أتش. بيك، ميونيخ، 2012.